خام-متابعة: ناقش موقع “مدونات البنك الدولي”، الآليات التي يمكن للعراق اعتمادها في سبيل إعادة بناء النظام التعليمي بالاستفادة من تداعيات جائحة كورونا.
وبحسب التقرير الذي تابعته “خام”، (7 تشرين الثاني 2020) فإن “البلاد تحتاج حاليا وبشكل كبير إلى حماية التعليم من أجل الأطفال الأشد فقرا والأكثر حرمانا في الوقت الراهن، فضلا عن استخدام مناهج مبتكرة للتعليم أمر ضروري للحد من الخسائر التعليمية وبناء نظام تعليمي متين يضمن التعليم لجميع أطفال العراق، مشيرا إلى أن نطاق تغطية البنية التحتية للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في العراق محدود و الوصول إليها يتسم بعدم المساواة بشكل كبير”.
وأكد البنك الدولي على “ضرورة توفير شبكات أمان ملائمة، مثل برامج التحويلات النقدية، وذلك لدعم الأطفال من الفئات الأكثر حرماناً ولضمان عدم تسربهم من التعليم وللتأكد من إحراز تقدم طوال فترة وجودهم داخل النظام التعليمي”.
نص التقرير:
كانت أمل تشعر بالحماس المتقد لذهابها إلى المدرسة في بلدتها الصغيرة بمحافظة الأنبار، حتى جاء أحد أيام شهر شباط حين أدى تفشي فيروس كورونا إلى إغلاق المدارس في جميع أنحاء العراق. تستمتع أمل البالغة من العمر ست سنوات بتعلم القراءة والكتابة مع أصدقائها؛ ولكن مدرستها تعمل بنظام الدورات المتعددة، فتحظى أمل ببضع ساعات في الأسبوع لتتعلم قراءة الحروف، غير أنها دائما ما تكون مستمعة جداً. فبعد أسبوعين من تعلمها كيفية كتابة اسمها، بدأ فيروس كورونا في الانتشار في أنحاء قريتها فاضطرت أمل التزام بيتها. وظلت أبواب مدرستها مغلقة حتى نهاية العام الدراسي.
يؤثر إغلاق المدراس في العراق على ما يزيد عن 11 مليون طفل. وتقضي أمل يومها في البيت، محجورة، بعيدة عن أصدقائها في المدرسة ومحرومة من التعلم الذي كانت تستمتع به. وعلى الرغم من أن خيارات التعلم عن بعد متاحة، فإنها ليست قادرة دائما على الاستفادة منها. ففي المنطقة الريفية التي تقطنها، يعد الاتصال بالإنترنت أمرا نادرا، كما يتعين عليها أن تتقاسم مع أشقائها وقت استخدام جهاز الكمبيوتر. ويستخدم شقيقها جهاز الكمبيوتر لوقت طويل من أجل الاستعداد لامتحانات الصف النهائي بالمرحلة الثانوية والتي ستحدد الجامعة التي سيستطيع الالتحاق بها، والاختصاص الذي سيدرسه، وفي نهاية المطاف سوف تحدد هذه الامتحانات مستقبله.
حتى عندما تتمكن أمل من الولوج إلى الإنترنت، أو استخدام المواد التعليمية التي ترسلها مدرستها عبر الهاتف، فإن مستواها المحدود في القراءة والكتابة غالبا ما يؤدي إلى ارتباكها بسبب عدم اكتسابها المهارات اللازمة.
وأمل مثال للعديد من الأطفال الذين يكابدون في ظل جائحة فيروس كورونا لاكتساب المهارات الأولية الأساسية للقراءة والكتابة والتي هي بدورها أساسية للتعلم ومواصلة مسارهم التعليمي. وتلخصت سنوات من الصراع بانعدام الكفاءة في النظام التعليمي في العراق مما أدى الى العجز عن توصيل المهارات الأساسية والتعليم المطلوب للنجاح في الحياة. وخلص مسح لتقييم مهارات القراءة في الصفوف الأولى إلى أن الغالبية العظمى من الطلاب العراقيين في الصفين الثاني والثالث لم يستوعبوا المواد الملائمة لأعمارهم.
وخلص مسح حديث لليونيسف إلى أن 75% فقط من الأطفال في المدارس الابتدائية وأقل من 50% في المدارس الثانية قد أتموا فعليا الدراسة.
ويشكل إغلاق المدارس حالياً تهديداً وذلك بسبب تسرب المزيد من الأطفال من المدارس، خاصة في المناطق الريفية وبين الأطفال المنتمين للأسر الأشد فقرا. وكما هو الحال في العديد من البلدان في جميع أنحاء العالم، فإن الأزمة على الأرجح ستفاقم انعدام المساواة في التعليم. وتقدم وزارة التعليم العراقية المناهج التعليمية عبر منصة إلكترونية وبرامج تلفزيونية، لكن التركيز ينصب في الأغلب على الطلاب في الصفوف الأعلى الذين يؤدون الامتحانات النهائية. ولا ريب أن هذا يأتي أيضا في صالح الأطفال المتاح لهم استخدام التكنولوجيا.
سيكون لإغلاق المدارس في الآونة الأخيرة تأثيرات دائمة على مستقبل أمل وزملائها، فضلاً عن النتائج الاقتصادية على العراق ككل. وحتى قبل تفشي جائحة فيروس كورونا، فإن أطفال العراق كانوا متخلفين كثيرا عن نظرائهم من حيث تنمية رأس المال البشري الذي يقاس بمؤشر البنك الدولي لرأس المال البشري. وسيحقق الطفل المولود في العراق اليوم 41% فقط في المتوسط من قدراته الإنتاجية حين يكبر. وإن قدر التعليم الذي يتم الحصول عليه الطفل في العراق هو أربع سنوات فقط من متوسط قدره سبع سنوات للاانحاق في المدارس.
بل إن إغلاق المدارس سيؤدي إلى المزيد من الفاقد في التعليم. وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أنه على مستوى العالم، فإن المجموعة الحالية من طلاب المدارس من المنتظر أن تفقد ما يزيد عن عشرة تريليونات دولار من الدخل مدى الحياة نتيجة للفاقد في التعليم. وقد يعني هذا انخفاضا بنسبة 5% على الأقل في الدخل السنوي، أو نحو 31 مليار دولار من فاقد الدخل مدى الحياة، لجميع الطلاب في العراق.
وتؤثر الأزمة الصحية على العديد من القطاعات، فما هي الأسباب الموجبة لبلدان مثل العراق أن تستثمر في التعليم؟ فالتعليم هو من بين أفضل برامج الإنفاق التحفيزي في حزم التعافي من جائحة فيروس كورونا. والصلة بين المهارات التي يتم اكتسابها في المدارس والنمو الاقتصادي راسخة منذ فترة طويلة، والعائد على الاستثمار في التعليم يفوق بكثير الاستثمارات البديلة لكل من الأفراد والحكومات.
يستطيع العراق أن يستخلص دروسا من الأزمة الصحية الحالية كي يحول التعافي إلى فرصة لإعادة البناء على نحو أفضل. ويحتاج العراق أكثر من أي وقت مضى إلى حماية التعليم من أجل الأطفال الأشد فقرا والأكثر حرمانا في الوقت الراهن. ويقترح البنك الدولي ثلاث مراحل للاستجابة على مستوى السياسات: (1) التكيف: الاستجابة الطارئة للتعليم حيث ستبقي الأطفال آمنين وتدعم استمرار التعليم في آنٍ واحد؛ و(2) إدارة الاستمرارية: مع إعادة فتح المدارس، يحتاج العراق لضمان السلامة، وخفض تسرب الطلاب إلى الحد الأدنى وبدء تعافي عملية التعلم لاستعادة قدرة التعليم على بناء الرأس المال البشري، و(3) التحسين وتسريع الوتيرة: استغلال الفرص الجديدة لإعادة بناء الأنظمة التعليمية على نحو أقوى وأكثر مساواة مقارنة مع الوضع في السابق.
إن استخدام مناهج مبتكرة للتعليم أمر ضروري للحد من الخسائر التعليمية وبناء نظام تعليمي متين يضمن التعليم لجميع أطفال العراق. فمن الضروري أن نذكر بأن نطاق تغطية البنية التحتية للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في العراق محدود، وحتى الوصول إليها يتسم بعدم المساواة بشكل كبير. وتعد الحلول المحلية المجتمعية لتقديم الخدمة التعليمية أمرا ملحاً لضمان التعليم للجميع. فعلى سبيل المثال، يمكن استخدام نهج يمزج بين توصيل المحتوى عبر الإنترنت والوسائل غير الإلكترونية والذي يمكنه أن يوفر لدى الأطفال في الفئات الأكثر حرماناً القدرة على مواصلة التّعلم. ويمكن لمثل هذا الدعم الاستفادة من تكنولوجيا الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الأكثر انتشارا، ومنها الهواتف المحمولة، التي تملكها 99% من الأسر، بينما يتم تدريب مقدمي الرعاية على أفضل سبل دعم التعليم للأطفال في المنازل والاستمرار في فعل ذلك حين يُعاد فتح المدارس.
يجب أن ينصب التركيز الأساسي في المدارس الابتدائية على مواد القراءة للطلاب، ومواد التدريس وتدريب المعلمين لتعزيز المهارات الأساسية للقراءة والكتابة.
في التعليم الثانوي، فإن المناهج المبتكرة يمكن أن تدعم التعلم الذاتي للشباب، عبر إنشاء محتوى تعليمي مكمل يتسم بالجودة للطلاب، بينما يتم دعم التعليم وتدريس المهارات الحياتية والمتصلة بفرص العمل.
كما يجب أن يتم توفير شبكات أمان ملائمة، على سبيل المثال عبر برامج التحويلات النقدية، وذلك لدعم الأطفال من الفئات الأكثر حرماناً ولضمان عدم تسربهم من التعليم وللتأكد من إحراز تقدم طوال فترة وجودهم داخل النظام التعليمي.انتهى(ع-ع)