خام-متابعة:”ما يزال المواطن العراقي محروماً من إمكانية الدخول إلى وسائل التواصل الاجتماعي، حتى بعد عودة الإنترنت”.
التي قال عنها رئيس الوزراء عادل عبد المهدي إن السلطات اضطرت لتقييد خدمات الإنترنت “عندما استخدمها البعض لإذكاء العنف والتآمر”. ، وكانت السلطات الحكومية قد حجبت إمكانية الوصول إلى فيسبوك وتطبيق واتساب، قبل أن تقطع الإنترنت تماماً في اليوم التالي.
وعندما بدأ حجب فيسبوك، تحرك العراقيون سرياً لتنزيل تطبيقات “في بي أن” (شبكة افتراضية تتيح الاتصال بخوادم خارج البلاد) .
وأقدم آخرون على استخدام وسائل اتصال بالأقمار الصناعية، وهي ذات تكلفة مرتفعة جداً، من أجل التواصل مع العالم الخارجي.
واعتبرت منظمة “نيت بلوكس” للأمن السيبراني أن “القطع شبه الكامل الذي تفرضه الدولة في معظم المناطق، يحد بشدة من التغطية الإعلامية والشفافية بشأن الأزمة المستمرة”.
ومنذ الثلاثاء، يعود الإنترنت في فترات معينة وبطيئاً جداً في بغداد وجنوبي البلاد، وخلال تلك الفترات، تمكّن الكثيرون من دخول مواقع التواصل من خلال تطبيقات “في بي أن”، ونشر فيديوهات لمقتل متظاهرين.
، وأكد مزودو خدمة الإنترنت لعملائهم أنه لا يمكن تحديد موعد معين أو جدول زمني لعودة الإنترنت أو رفع القيود الحالية أو أي تفاصيل أخرى.
وبعد خمسة أيام من قطع شبكة الانترنت في العراق، عاودت السلطات بثّ الخدمة بشكلٍ متذبذب مع استمرار حجب مواقع التواصل كـ”فيسبوك” و”تويتر”، غير أنّ فتح شبكة الانترنت كان كفيلاً بالسماح بتدفق المئات من مقاطع الفيديو والصور التي وثّق من خلالها ناشطون ومدونون ومتظاهرون عمليّات القمع والانتهاكات التي تعرض لها المتظاهرون، إضافةً إلى مواقف إنسانية تعبّر عن تضامن العراقيين وتآلف المجتمع، حيث يُحسب لهذه التظاهرات أنها “غسلت أدران الأحزاب والقوى السياسية الطائفية”.
ومع لهفة العراقيين للتواصل عبر الإنترنت، عبّروا في الوقت نفسه عن غضبهم واستيائهم من الإجراءات الحكومية التي وصفوها بالقمعية من خلال قطع الإنترنت عن الشعب، لعدم إطلاعه على العنف والقمع والاعتداء على المتظاهرين السلميين.
وما إن عادت خدمة الشبكة العنكبوتية مساء الإثنين، حتى خلت المقاهي والأسواق والحدائق العامة من المواطنين الذين سارعوا الى منازلهم للاتصال بالعالم الخارجي ومتابعة أحداث التظاهرات.
وقال عبد الله طه (30 عاماً): “لقد كنا معزولين عن العالم الخارجي، وبقرار حكومي. لقد استطاعت الحكومة أن تفصلنا عن العالم بأجمعه… لا تواصل، ولا متابعة أخبار، ولا معرفة ما حدث في ساحات التظاهرات. لقد أرادت الحكومة أن تجعل منا رهن أخبار مؤسساتها الإعلامية وقنواتها الفضائية التي لا تعبر عن إرادة الشارع بل عن سياسة الحكومة، وهي ليست محل ثقتنا”.
وأضاف: “كنا ملهوفين على متابعة أحداث التظاهرات، وحتى الشباب بدأوا رحلتهم الجديدة مع عودة الإنترنت للتواصل والبحث عن صور التظاهرات ومعرفة أحداثها”، مبيناً “لقد كانت الحقيقة صادمة بالنسبة لنا، فحجم القمع والاستهتار بأرواح العراقيين بلغ مستوى لم نكن نتوقعه”.
وأوضح طه أنّ “الصور المفزعة للقمع والقنص واستخدام الرصاص الحي خلال التظاهرات كانت مأساوية، لا يمكن لحكومة ديمقراطية تقول إن الشعب انتخبها أن تمارس كل هذه الأساليب في قمعه”، مشدداً على “حقيقة أنّ المشاهد كانت مؤلمة، وقد عرفنا من خلالها لماذا أرادت الحكومة حجب العراقيين عن الإنترنت، وإخفاء كل تلك المشاهد البشعة”.
من جهته، قال “أبو سجاد”، وهو صاحب مقهى شعبي في منطقة الكرادة بقلب بغداد: “كان المقهى لا يستوعب الشباب خلال الأيام الماضية، بسبب العزلة التي تسبب بها قطع الإنترنت عنهم، ولم يجدوا مكاناً غير المقاهي يجلسون فيها ويحاولون معرفة تفاصيل ما يحدث في ساحات التظاهرات،لاسيما أن الجميع لا يثقون بالفضائيات الحكومية التي تنقل الأخبار”. وأكد لـ”العربي الجديد” أنّ المقاهي خلت ليل الإثنين تماماً من الزبائن الذين غادروها مسرعين إلى منازلهم، وهم يتراكضون للتواصل عبر الشبكة العنكبوتية”. ولم يؤثر قطع الإنترنت على الشباب فحسب، بل حتى الكبار في السن، من الذين اعتمدوه كمصادر موثوقة، لمعرفة ما يجري حولهم من أحداث، وانتقدوا إجراءات قطعه. وأكد “أبو هاجر” (70 عاماً) لـ”العربي الجديد” أنّ “الحياة كانت غير طبيعية لدى الجميع من دون خدمة الإنترنت، إذ اعتدنا على التواصل والاتصال ومتابعة ما يجري من حولنا عبر الشبكة العنكبوتية”، مبيناً “لا يمكن لحكومة تدعي الديمقراطية أن تعزل شعبها عن العالم الخارجي”. واعتبر أنّ “ما حدث من قمع وحجب للإنترنت هو قمع للشعب ولحريته، لا يمكن القبول به”.
بالمقابل هناك من وجد في قطع الانترنت فرصة للحديث العائلي وقراءة الكتب واللقاء مع المعارف تقول ابتهال فرحان (29 عاما) في حديث للجزيرة نت إنه خلال فترة توقف الإنترنت “اكتشفت كم كنت أخسر من الوقت بعيداً عن عائلتي ومعارفي بسبب الانشغال بمتابعة وسائل التواصل الاجتماعي والتعرف على الأخبار فيها”.
وأضافت أن توقف وسائل التواصل الاجتماعي مطلع الشهر الماضي “تسبب بعودة الدفء للعلاقة مع أهلي وأحاديث شقيقاتي، وهي التي غابت عنا في السنوات السابقة” جراء الإدمان على مواقع التواصل الاجتماعي. وابتهال واحدة من بين 20 مليون عراقي تقريباً يستخدمون الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي في حياتهم اليومية، وهي تعتقد أن توقف خدمات الإنترنت أنقذها من الإدمان التي كانت تعيشه في عالمها الافتراضي. أما المعلمة في إحدى مدارس البصرة مها علي فتقول إن قطع النت دفعها للتواصل المباشر مع الأقارب والمعارف، وصار لديها وقت أطول تقضيه في مجالسة والديها والاهتمام بأعمال المنزل. وأضافت أن انقطاع الإنترنت ترك فراغاً في حياتها اليومية، حيث كانت كثيرة التواصل في المطالعة ومعرفة الأخبار من خلال صفحتيها على فيسبوك وإنستغرام.
ولفتت مها إلى أنها اكتشفت بعد قطع الإنترنت لأيام أن هناك هدراً كبيراً للوقت من خلال متابعة ما يدور عبر وسائل التواصل الاجتماعي والابتعاد عن الحياة العائلية والاجتماعية.
من جانبه، عاد علي فلاح لزيارة منزل والديه يومياً للاطمئنان على وضعهما الصحي وتوفير احتياجاتهما.
ويقول علي إنه في كثير من الأحيان كانت مكالمة الفيديو تغنيه عن القدوم إلى منزل والديه، لكن بعدما قطعت خدمة الإنترنت صار يزورهما بشكل يومي، معتبراً أن ذلك أشعره بالارتياح جراء النتيجة الإيجابية التي لمسها لدى والديه والشعور المباشر والتفاعل معهما.
وأضاف أنه ربما جاءت الظروف الأخيرة من قطع الإنترنت لتنبهه إلى أنه مقصر بحق والديه.
وتعليقاً على ذلك، اعتبر الباحث النفسي في جامعة البصرة الدكتور عبد الكريم الموازني أن “الكثير من الأمور تحققت خلال هذه الأيام (يقصد أيام قطع خدمة الإنترنت)، فكانت جرس الإنذار الذي لاحظنا من خلاله تغييراً في سلوكيات أبنائنا ووجود هوة واسعة، سواء بين أفراد العائلة أو بين أفراد الحي أنفسهم”.
وأضاف انتبهنا إلى أنفسنا بأننا في حالة عجز ومتأخرين في العلاقات الاجتماعية التي كنا نختصرها من خلال التعبير عنها رقمياً أو بمكالمات عبر مواقع التواصل، لكن هي في حقيقتها تتطلب أن تكون علاقات مؤثرة ومحسوسة وليس عبر وسائل التواصل وحسب.
من جانب آخر قدرت شركة “نت بلوكس” خسائر قطع الإنترنت على الاقتصاد العراقي بنحو مليار و358 مليون دولار خلال شهر أكتوبر.
وتمثل هذه الخسارة ما يقرب من 0.5 من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، بحسب تقرير “نت بلوكس” المتخصصة في مراقبة خدمات الإنترنت.
وقالت الشركة في تقريرها إنه اتضح من البيانات الاقتصادية إن “أكبر خسارة اقتصادية فردية لم تنجم عن انخفاض الإنتاجية أو نقص العمالة، وإنما من تشويش الحكومة على شبكة الإنترنت الخاصة بها”.
وكانت وكالة فرانس برس قد أشارت في تقرير لها إلى تعرض الكثير من النشاطات التجارية لخسارات قدرت بآلاف الدولارات بسبب انقطاع الإنترنت، وكانت فئة التجار الصغار هي الأكثر تعرضاً للخسائر، في ظل غياب شبكات الاتصالات وفشل المعاملات التجارية.
وانخفضت” الاتصالات الوطنية إلى ما دون 19 في المئة، ما أدى إلى عزل عشرات الملايين من المستخدمين العراقيين عن الشبكة العالمية”.انتهى(ع-ع)