البداية كانت بانهيار في الأرجنتين والتراجعات امتدت إلى البورصات الأميركية والأوروبية
خام -متابعة: “خيّم اللون الأحمر على جميع الأسواق خلال الساعات الماضية. فمن خسائر النفط إلى تهاوي البورصات وأسواق المال العالمية إلى الخسائر التي تطارد سوق العملات، لا يوجد ما يشير في الوقت الحالي إلى عودة الهدوء والاستقرار خاصة مع استمرار تصاعد حدة الحروب التجارية واشتعال التوترات الجيوسياسية “.
لكن كل هذه المؤشرات تقود إلى سؤال مهم: ما الذي ينتظر أسواق العالم… هل تنهار مثلما حدث في بورصة الأرجنتين الاثنين الماضي، أم أن الأوضاع لا تزال مطمئنة وتحت السيطرة؟
وربما لا تتوقف الأزمات التي تواجه الاقتصاد العالمي في الوقت الحالي على الحروب التجارية التي يشعلها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أو التوترات الجيوسياسية، لكن الأكثر لفتاً للنظر هو اتجاه المستثمرين إلى سوق الملاذات والأصول الآمنة، ما يشير إلى أن الاقتصاد العالمي على أعتاب ركود شديد، وهو ما تحدثت عنه تقارير لشركات ومؤسسات دولية ليتأكد للجميع أن الفترة المقبلة من العام الحالي ربما تشهد متغيرات جديدة في خريطة الاقتصاد العالمي.
انهيار بورصة الأرجنتين هل هو بداية لخسائر أكثر عنفاً؟
في أسواق الأسهم، سجّلت الأسواق العالمية تراجعات خلال تعاملات أمس، مع صدور بيانات ضعيفة للإنتاج الصناعي بالصين وألمانيا، بما يزيد من المخاوف بإمكانية حدوث تباطؤ في النمو الاقتصادي العالمي.
وفي جلسة دامية، تكبدت بورصة “بوينس آيرس” الأرجنتينية انهيارها، حيث تراجعت بنسبة 38%، بعد الهزيمة المدوية للرئيس الأرجنتيني الليبرالي ماوريسيو ماكري، أمام البيروني من يسار الوسط ألبرتو فرنانديز، في الانتخابات التمهيدية.
وسادت حالة من التوتر، بعد افتتاح البيزو على سعر 53 مقابل الدولار، بانخفاض بنسبة 14% عن سعره لدى الإغلاق (46.55 بيزو)، في تعاملات يوم الجمعة الماضية، ثم واصل الانخفاض ليصل إلى سعر 66 بيزو للدولار. وتدخل البنك المركزي في الأرجنتين لشراء نحو 50 مليون بيزو، في إطار محاولات لوقف تدهور العملة، ولكن دون فائدة.
وانهار مؤشر “ميرفال”، حيث انخفض بنسبة 38% بعد النتائج الضعيفة التي حققها ماكري الذي يتبنى سياسات داعمة للشركات.
وتعاني الأرجنتين حالياً الركود، ووصلت نسبة التضخم فيها إلى مستوى 22% للمرة الأولى في النصف الأول من العام، وهي واحدة من أعلى النسب في العالم. كما يعاني 32% من السكان من الفقر. وبدعم من صندوق النقد الدولي، أطلقت الأرجنتين خطة تقشف لم تلق قبولاً لدى الأرجنتينيين، الذين تضاءلت قوتهم الشرائية بشكل كبير، بينما خسر البيزو نصف قيمته أمام الدولار العام الماضي.
الخسائر تمتد إلى الأسواق الأميركية والأوروبية والآسيوية
وتراجعت مؤشرات الأسهم الأميركية الرئيسية بنحو 3% مع إغلاق تعاملات جلسة الأربعاء، إذ انخفض كل من ناسداك وداو جونز بنسبة 3%، وخسر داو جونز نحو 800 نقطة، في حين هبط مؤشر ستاندرد أند بورز 500 بنسبة 2.9%.
وشهدت بورصة وول ستريت موجة مبيعات حادة دفعت المؤشر داو جونز الصناعي إلى تسجيل أكبر هبوط ليوم واحد من حيث عدد النقاط منذ أكتوبر (تشرين الأول) من العام 2018 مع تزايد مخاوف المستثمرين من ركود عالمي.
وأنهى داو جونز جلسة التداول منخفضا 801.10 نقطة، أو 3.05%، إلى مستوى 25479.42 نقطة في حين فقد المؤشر ستاندرد آند بورز 500 الأوسع نطاقا نحو 85.72 نقطة بنسبة تراجع بلغت نحو 2.93% ليغلق عند 2840.60 نقطة.
وسجلت المؤشرات الأوروبية تراجعا أيضا وإن قلت حدته، إذ تراجع مؤشر داكس الألماني بنسبة 2.2% من قيمته، في حين تراجع كل من مؤشر يورو ستوكس 50 ومؤشر كاك 40 الفرنسي بنسبة 2%.
وامتدت الموجة البيعية إلى البورصات وأسواق المال الآسيوية، حيث سجلت كل المؤشرات الرئيسية انخفاضا بنسبة 1.3%.
فيما بلغ المؤشر نيكي الياباني أدنى مستوى في تسعة أيام في تعاملات اليوم الخميس في الوقت الذي تسببت فيه عودة المخاوف من حدوث ركود عالمي في تراجع وول ستريت ودفعت الين الذي يُعتبر ملاذا آمنا إلى الارتفاع، مما أثر سلبا بقوة على شركات التصدير في البلاد.
وأغلق المؤشر نيكي منخفضا بنسبة 1.21% إلى 20405.65 نقطة. وخلال الجلسة، لامس المؤشر مستوى 20184.85 نقطة وهو أدنى مستوياته منذ السادس من أغسطس (آب) الماضي.
وقال أليك يانج، العضو المنتدب لبحوث الأسواق العالمية لدى فوتسي راسل في تقرير نشرته وكالة “بلومبيرغ”، “إن المستثمرين أصبحوا وبشكل متزايد يبيعون أولا ثم بعد ذلك يسألون ماذا يحدث”. وأضاف يانج “أن الشيء الوحيد الذي يمكن أن يقلب حالة التذبذب هو وجود دليل قوي على أن تباطؤ النمو العالمي لن يصل إلى مستو أدنى. ويبدو هذا إفراطا في الأمل في الوقت الحالي”.
سوق السندات الأميركي تتجه نحو الركود
وتترقب سوق السندات الأميركية الركود، إذ إن منحنى العائد المقلوب أطل برأسه في الولايات المتحدة أمس بعد أن أدى هروب المستثمرين إلى الأصول الآمنة إلى تراجع العائد على سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات لتصبح أقل من العائد للسندات لأجل سنتين، وذلك للمرة الأولى منذ عام 2007.
وسجل العائد على السندات لأجل 10 سنوات نحو 1.623% في بداية تعاملات اليوم الخميس، مقارنة بنحو 1.634% للسندات لأجل سنتين، قبل أن يرتفع لاحقاً.
وتراجع العائد للسندات لأجل 30 عاما إلى مستوى قياسي بلغ نحو 2.02%. ويعد المنحنى البياني للعائد على السندات لأجل عامين و10 أعوام وسيلة تنبؤ دقيقة بفترات الركود في التاريخ الحديث، وينقلب المنحنى تقريبا قبل كل فترة ركود حدثت في آخر 50 سنة.
ألمانيا تزحف بقوة نحو الانكماش
وفي ألمانيا أظهرت البيانات الصادرة عن مكتب الإحصاءات الفيدرالي الألماني، انكماش الاقتصاد الألماني في الربع الثاني من 2019، مع محاولة المصنعين المحليين التعامل مع تراجع النمو العالمي. وسجل الاقتصاد الألماني انكماشا بنسبة 0.1% في الربع الثاني مقارنة بنمو بلغ 0.4% في الربع الأول من العام الحالي.
وأثار هذا الأداء الضعيف مخاوف من أن تنزلق الدولة المعتمدة على الصادرات الصناعية وقطاعات التصنيع نحو الركود، مع استمرار تأزم النزاع التجاري العالمي بين الصين والولايات المتحدة. وهبط مؤشر مديري المشتريات الألماني الشهر الماضي إلى أدنى مستوى له منذ 7 سنوات، وسجل الإنتاج الصناعي انكماشا غير متوقع بنسبة 1.5% في يونيو (حزيران) الماضي.
ووفقاً لوكالة “روتيرز”، قال كارستين برزيسكي، المحلل لدى شركة “آي إن جي”، “إن تقرير الناتج المحلي الإجمالي الصادر حديثاً يعلن بالتأكيد نهاية عصر ذهبي للاقتصاد الألماني”، مضيفا “أن الخلافات التجارية، وحالة عدم اليقين العالمية، وقطاع السيارات المتعثر قادت الاقتصاد الألماني أخيرا لنهاية عصر الازدهار”.
وفي الصين، كشفت بيانات رسمية حديثة، تدهور مستوى الإنتاج الصناعي إلى معدلات لم تشهدها البلاد منذ عام 2002.
وقال محللون إن تلك البيانات الضعيفة تشير إلى تراجع الطلب في الاقتصاد الصيني بشكل عام، والبعض يتوقع حاليا تجديد إجراءات تحفيز النمو. وقال لاري هو، رئيس قسم اقتصاديات الصين لدى مجموعة “ماكواري”، “إن الاقتصاد الصيني يحتاج إلى المزيد من المحفزات لأن الظروف المعاكسة قوية للغاية”. ويرى أن “الاقتصاد الصيني سيواصل التباطؤ. وعند نقطة معينة سيكون من الواجب على صناع السياسة تعزيز المحفزات لدعم البنية التحتية والعقارات. أعتقد أن ذلك قد يحدث بنهاية هذا العام”.
من جانبها حاولت جانيت يلين، الرئيسة السابقة لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، تهدئة مخاوف المستثمرين بالسوق بشأن احتمالية حدوث ركود اقتصادي في الولايات المتحدة. وقالت “إن منحنى العائد المقلوب لا يعني بالضرورة حدوث فترة من الانكماش”.
وأوضحت أنه “من الناحية التاريخية، كانت هناك إشارة قوية بشأن حدوث ركود، وأعتقد أن هذا يحدث عندما تهتم الأسواق بالأمر، لكنني أود القول إنه في هذه المرة قد لا تكون إشارة بمثل هذه القوة”. وأرجعت ذلك إلى “وجود عدد من العوامل الأخرى، بخلاف توقعات السوق حول المسار المستقبلي لأسعار الفائدة، تدفع عائدات السندات طويلة الأجل للتراجع”.
وعلى الرغم من ذلك، ذكرت يلين “أن احتمالات الركود الاقتصادي ارتفعت بشكل واضح وأعلى مما كانت تتوقع”. وقالت يلين “إن الانخفاض في عائدات السندات الأميركية التي أثارت المخاوف من تباطؤ اقتصادي قادم قد يكون مدفوعاً بعدة عوامل”، لم توضحها.
ضربات قوية للبنوك المركزية العالمية
في نفس السياق، تواصل البنوك العالمية تلقي ضربات قوية، إذ انخفض مؤشر العائد الكلي التابع لمؤسسة مورغان ستانلي والخاص بأسهم البنوك بالأسواق المتقدمة إلى ما يقرب من أدنى مستوياته المسجلة أمام المؤشر الأوسع نطاقا خلال تداولات أمس الأربعاء، إذ أدت منحنيات العائد المقلوبة في الولايات المتحدة وبريطانيا إلى زيادة المخاوف لدى المستثمرين من أن البنوك ستبدأ في الحد من منح الائتمان.
وقال رويلوف سالومونز، كبير المحللين الاستراتيجيين بشركة “كيمبين كابيتال مانجمنت”، “إن المخاوف تتمثل في أن أسعار الفائدة المنخفضة ستبقي بالفعل مديونية الاقتصادات والشركات تحت السيطرة ولكن تلك السياسة ستضر بربحية البنوك”.انتهى(ع-ع)