خام – متابعة :”يقول باحثون وعلماء إن وتيرة ظاهرة الاحتباس الحراري التي يشهدها كوكبنا في الوقت الحالي وامتدادها تتجاوز أي حدث مماثل شهدته الأرض في الألفيتين الأخيرتين”.
ويقولون إن أحداثا مناخية مهمة يذكرها التاريخ، مثل “العصر الجليدي الصغير”، لا يمكن مقارنتها مع ما تشهده الأرض من ارتفاع في درجات الحرارة في القرن الأخير.
وتشير الأبحاث التي أجراها هؤلاء إلى أن وتيرة ارتفاع درجات الحرارة في الوقت الراهن أسرع من أي فترة درست خواصها في الماضي.
ويقول العلماء إن النتائج التي خلصوا إليها تثبت أن الكثير من الحجج التي يتمسك بها المشككون في صحة نظرية الاحتباس الحراري لم يعد لها أي صلاحية.
عندما قاس علماء التاريخ الخاص بالظواهر المناخية التي مر بها كوكبنا في القرون الماضية، برز لهم عدد من الحقب المهمة بشكل استثنائي.
وتضمنت هذه الحقب “الفترة الرومانية الدافئة” التي استمرت من سنة 250 إلى 400 ميلادية، وشهدت درجات حرارة عالية بشكل استثنائي في القارة الأوروبية عموما، وكذلك حقبة “العصر الجليدي الصغير” الشهيرة التي شهدت انخفاضا ملحوظا في درجات الحرارة لعدة قرون ابتداء من القرن الرابع عشر.
واعتبر البعض هذه الظواهر بمثابة أدلة على أن كوكب الأرض مر بدورات متعاقبة من ارتفاع وانخفاض درجات الحرارة عبر القرون، وأن ارتفاع درجات الحرارة التي يمر بها حاليا ومنذ الثورة الصناعية ليس إلا جزءا من هذا السياق ولذا ليس هناك داع للخوف والوجل.
ولكن ثلاثة بحوث نشرت نتائجها مؤخرا أثبتت أن الحجج التي يستند إليها هذا المفهوم ضعيفة وواهية.
أعاد فريق البحث بناء الظروف المناخية التي سادت في السنوات الـ 2000 الأخيرة باستخدام 700 نموذجا تمثل التغييرات التي طرأت على درجات الحرارة في هذه الفترة، ومنها الحلقات الموجودة في جذوع الأشجار والشعب المرجانية والترسبات الموجودة في قعر البحيرات. وتوصل الفريق إلى أن أيا من هذه الأحداث المناخية لم يقع على نطاق العالم بأسره.
ويقول الباحثون إن العصر الجليدي الصغير على سبيل المثال بلغ ذروته في المحيط الهاديء في القرن الخامس عشر، بينما بلغ الذروة في أوروبا في القرن السابع عشر.
وعموما، لم يكن ممكنا الاستشعار بأي ارتفاعات أو إنخفاضات أطول أمدا في درجات الحرارة في أكثر من نصف الكرة الأرضية في أي وقت واحد.
فحقبة “العصور الوسطى الدافئة”، التي استمرت بين سنتي 950 و1250 ميلادية، لم تشهد ارتفاعا في درجات الحرارة إلا في 40 في المئة من سطح الكرة الأرضية.
أما ما نشهده اليوم من ارتفاع في درجات الحرارة، فيؤثر في معظم الكوكب.
وجاء في أحد البحوث “توصلنا إلى أن أكثر الحقب حرارة في السنوات الـ 2000 الأخيرة جرت خلال القرن العشرين في أكثر من 98 في المئة من سطح الأرض”.
ومضى إلى القول “يوفر هذا دليلا قويا على أن الاحتباس الحراري الناتج عن النشاطات البشرية ليس له نظير ليس فيما يتعلق بدرجات الحرارة المطلقة فحسب، بل أنه غير مسبوق من ناحية شموليته منذ 2000 سنة أيضا.
من الأمور التي لاحظها الباحثون هو أن المؤثرات الرئيسية على المناخ قبل بزوغ العصر الصناعي الحديث كانت البراكين، ولم يجدوا أي أدلة تشير إلى أن التقلبات التي تحصل في شدة أشعة الشمس كان لها أي تأثير على معدلات درجات الحرارة على سطح الأرض.
ويقول الباحثون إن الحقبة الحالية تتجاوز التقلبات الطبيعية إلى حد بعيد.
ويقول الدكتور رافائيل نيوكوم من جامعة بيرن في سويسرا “نرى من المعلومات التي تستقيها الأجهزة وكذلك من نموذج اعادة بناء المناخ الذي أعددناه أن وتيرة ارتفاع درجات الحرارة في الماضي القريب تتجاوز بشكل كبير وتيرة الزيادة الطبيعية التي قدرناها – وهذه طريقة أخرى للنظر إلى الطبيعة الاستثنائية لارتفاع درجات الحرارة الذي نراه حاليا”.
وبينما لم يسع الباحثون إلى التحقق من أن البشر هم المسؤولون الرئيسيون عما نراه من تغير في المناخ، تشير النتائج التي توصلوا إليها بوضوح إلى أن هذه هي الحقيقة.
وقال نيوكوم “لم نركز النظر على البحث عن مسببات الارتفاع الأخير في درجات الحرارة، لأن الكثيرين سبق لهم أن خاضوا في ذلك وتوصلوا إلى إجماع يقول إن السبب الرئيسي هو النشاط البشري”.
وأضاف “لم نختبر ذلك بشكل صريح ومباشر، ولذا لا يمكننا القول سوى إن المؤثرات الطبيعية ليست كافية استنادا إلى المعلومات المتوفرة لنا للتسبب في وتيرة ارتفاع درجات الحرارة التي نلحظها الآن ولا سعة انتشارها”.
وعبر علماء آخرون عن إعجابهم بالجودة العالية لهذه البحوث الجديدة.
وتقول الأستاذة دانيلا شميت من جامعة بريستول في بريطانيا، والتي لم تشارك في الدراسات الأخيرة، “أجروا دراستهم للظروف المناخية حول العالم باستخدام أكثر من 700 نموذج تمثل السنوات الـ 2000 الأخيرة، وجمعوا معلومات من الشعب المرجانية وقعر البحيرات ناهيك عن تلك التي جمعوها باستخدام آلات القياس العلمية. وتوخوا الدقة في تفسير هذا الكم الكبير من المعلومات وكذلك التحيز البنيوي الذي قد يكون موجودا، ولذا فأن جودة المعلومات التي خرجوا بها وشموليتها تعد خطوة كبيرة إلى الأمام. إنه بحث مذهل”.
ويقول العديد من الخبراء إن النتائج التي خرجت بها هذه البحوث تكشف زيف الكثير من الادعاءات التي دأب المشككون على إيرادها في العقود الأخيرة.
بهذا الصدد، يقول الأستاذ مارك ماسلين من كلية لندن الجامعية في بريطانيا (والذي لم يشارك هو الآخر في البحث) “ينبغي أن يضع هذا البحث حدا للادعاءات التي يطلقها المشككون في وجود ظاهرة اسمها التغير المناخي والقائلة إن التغييرات التي نشهدها إنما هي جزء من دورة مناخية طبيعية”.
ويستطرد قائلا “يظهر هذا البحث الفرق الصارخ بين التغييرات المحدودة والمحلية في درجات الحرارة في الماضي من جانب والتأثير العالمي الحقيقي للاحتباس الحراري المتأتي عن الانبعاثات التي يتسبب بها البشر من جانب آخر”.
نشرت البحوث الثلاثة في نشرة نيتشر (1) ونشرة نيتشر جيوساينس (2), (3). انتهى (ع-ع)