خام-متابعة: منذ بداية تسعينات القرن الماضي، تواجه مدينة البصرة جنوب العراق، نقصاً حاداً في الطاقة الكهربائية، وعلى الرغم من إنفاق مبالغ طائلة بعد العام 2003 على تنفيذ مشاريع لتطوير قطاعات الإنتاج والنقل والتوزيع، إلا أن “أزمة الكهرباء لم تعالج جذرياً”.
وما زالت ترهق سكان المحافظة البالغ عددهم أكثر من أربعة ملايين نسمة، وتتضاعف معاناتهم الناجمة عن الأزمة خلال فصل الصيف عندما يزداد استهلاك الطاقة الكهربائية، تزامناً مع ارتفاع درجات الحرارة الى أكثر من 45 درجة مئوية.
واعتادت وزارة الكهرباء قبل حلول كل صيفٍ، أن “تهب المواطنين وعوداً جديدة بتحسين قطاع الكهرباء، وأعلنت أواخر العام الماضي عن تشكيل خلية أزمة يلقى على عاتقها وضع خططٍ واتخاذ إجراءاتٍ سريعة، استعداداً للصيف الحالي، وأفادت بأن “وضع الكهرباء سيكون أفضل من الصيف السابق بفارق كبير”، لكن تلك الوعود التقليدية تحطمت على صخرة الواقع مع حلول الصيف. تحتاج البصرة إلى 3800 ميغاواط من الطاقة الكهربائية لإمداد مناطقها كافة بالتيار الكهربائي على نحو متواصل بلا إنقطاع.
وفي حال تمكنت وزارة الكهرباء من تجهيز هذه الكمية من الطاقة فإن “بعض مفاصل شبكات التوزيع غير قادرة على تمريرها، وفي ضوء ذلك تتوقع الحكومة المحلية في المحافظة أن تكون التغذية بالكهرباء خلال العام الحالي بحدود 21 ساعة يومياً”.
لا تبدو ساعات التغذية مناسبة مقارنة بحجم الأموال التي صُرفت على مشاريع تطوير قطاع الكهرباء في البصرة، فالنفقات المحلية الخاصة بموازنة المحافظة وصلت الى بليونين و250 مليون دولار من عام 2009 إلى عام 2018، وقبل أسابيع صادق مجلس المحافظة على تخصيص 137 مليون دولار لتحسين قطاع الكهرباء. ويتوقع أن يصادق بعد أيام على مشاريع إضافية بقيمة تسعة ملايين دولار، ولا تشمل هذه التخصيصات الأموال التي صرفتها وزارة الكهرباء من موازنتها على أعمال ومشاريع في المحافظة.
لشدة تداخل أزمة الكهرباء مع الوضع السياسي، فقد أدى ضعف خدمة الكهرباء واحتدام المنافسة على عقود مشاريع تتعلق بهذا القطاع إلى زعزعة أركان الحكومة المحلية في البصرة أكثر من مرة، منها في العام 2011 عندما تسبب تدهور قطاع الكهرباء في ذروة فصل الصيف باندلاع احتجاجاتٍ شعبيةٍ أسفرت عن الإطاحة بالمحافظ السابق شلتاغ عبود، حيث اضطر إلى تقديم استقالته تحت الضغط الشعبي والسياسي بعدما حاصره آلاف المحتجين داخل ديوان المحافظة. وفي عام 2017 استقال المحافظ السابق ماجد النصراوي وغادر العراق على خلفية خلافات ذات طابع سياسي تتعلق بمشروع لشراء الطاقة الكهربائية من شركة أهلية عن طريق الاستثمار، ولسبب مشابه احتجز رئيس مجلس المحافظة، صباح البزوني لأكثر من عام قبل أن يطلق سراحه ويستعيد منصبه، اعتباراً من أواخر العام السابق.
وبحسب الشيخ منصور التميمي، وهو نائب سابق وأحد وجهاء البصرة، فإن “عقود شراء الطاقة الكهربائية من القطاع الخاص شابها الكثير من الفساد الذي تقف خلفه جهات حزبية، والسلطات الرقابية لم تتعامل بجدية مع هذا الملف لغاية الآن على الرغم من وجود شكاوى مقدمة الى هيئة النزاهة”، مبيناً أن “الأموال الطائلة التي أنفقت على مشاريع ترقيعية كهذه كان من الأجدر إنفاقها على بناء محطاتٍ حكومية جديدة لإنتاج الطاقة الكهربائية، خصوصاً أن الأموال التي دفعت لشركةٍ واحدة فقط كافية لبناء محطة انتاجية كبيرة بطاقة 1000 ميغاواط”.
وبموجب اتفاقية ثنائية بينهما، يستورد العراق منذ عام 2010 الطاقة الكهربائية من إيران عبر أربعة خطوط، منها خط الشلامجة الذي يمتد من محافظة خوزستان إلى محافظة البصرة، وينقل طاقة كهربائية تتراوح ما بين 400 إلى 500 ميغاواط، وقد ساهم الخط في تحسين قطاع الكهرباء بنسبة معينة.
وطلبت الحكومة المحلية في البصرة زيادة الطاقة المستوردة عبر الخط إلى 700 ميغاواط، وعلى غرار هذا المشروع يسعى العراق إلى إجراء ربط مع شبكة خليجية للطاقة الكهربائية عبر السعودية والكويت من خلال البصرة باعتبارها الأقرب جغرافياً.
وقال رئيس لجنة الكهرباء في مجلس محافظة البصرة مجيب عزيز الحساني، إن “مشروع الربط الخليجي ينقسم إلى مرحلتين، في المرحلة الأولى يكون الربط مع الكويت، ومن المؤمل إنجاز هذه المرحلة بعد أشهر، ومن ثم يكون الربط مع السعودية كمرحلةٍ ثانية من المتوقع أن تنجز بعد عامين”، مضيفاً أن “البصرة أكملت الإجراءات الفنية المتعلقة بالمرحلة الأولى من المشروع، والكويت بدورها أنجزت متطلبات الربط، ولكن هناك قلقاً كويتياً من مشكلةٍ تقنيةٍ تتعلق بتذبذب تردد الشبكة الكهربائية العراقية بسبب عدم استقرار الأحمال، ومن المؤمل تجاوز المشكلة قريباً”.
يذكر أن “محافظة البصرة التي تعد رسمياً عاصمة العراق الاقتصادية، فيها العديد من محطات إنتاج الطاقة الكهربائية، بعضها يعود إلى سبعينات القرن الماضي، مثل محطة الهارثة الحرارية (1979)، ومحطة النجيبية الحرارية (1974)، ومحطة خور الزبير الغازية (1977)، ومحطة الشعيبة الغازية (1973)، وبعضها الآخر حديث الإنشاء نسبياً، مثل محطة الرميلة الغازية التي تم افتتاحها أواخر عام 2013، ومحطة النجيبية الغازية التي تم إنجازها مطلع عام 2016، وجميع هذه المحطات تغذي الشبكة الوطنية بالطاقة الكهربائية، ولكل محافظةٍ عراقية حصة من الطاقة تقررها وزارة الكهرباء بناءً على تعدادها السكاني وظروفها المناخية. انتهى(ب.م)