خام – بغداد
(محصلة)
شهدت قمة بغداد العربية، التي انعقدت في ظل تصاعد خطير للأوضاع في قطاع غزة، إجماعاً عربياً غير مسبوق على ضرورة وقف إطلاق النار الفوري، وإنهاء معاناة المدنيين الفلسطينيين، ودعم تطلعات الشعب الفلسطيني لإقامة دولته المستقلة، إلى جانب الترحيب برفع العقوبات عن سوريا وعودتها إلى الساحة الإقليمية كفاعل عربي أصيل.
جاءت كلمات الزعماء والمسؤولين العرب محمّلة برسائل سياسية واضحة، تدعو إلى رأب الصدع العربي، وتعزيز الاستقرار الإقليمي، وتأكيد المواقف التقليدية تجاه القضية الفلسطينية كأولوية مركزية، وسط دعوات لتهيئة بيئة عربية موحدة تدفع بمسارات السلام، والتنمية، والتكامل.
سوريا: عودة إلى الحضن العربي ورسالة امتنان واسعة
في كلمة لافتة، قال وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، إن بلاده “تعود اليوم إلى حضنها العربي ساعية إلى تطهير الجروح جراء الانقسام”، موجهًا شكره للمملكة العربية السعودية وتركيا على وساطتهما الفعالة في رفع العقوبات، ولجميع الدول العربية التي دعمت دمشق في “هذه المرحلة الدقيقة”.
وأكد أن رفع العقوبات ليس نهاية المطاف بل بداية طريق للتعاون العربي الحقيقي، مشدداً على أن الاعتداءات الصهيونية المتكررة على الجنوب السوري تهدد الأمن الإقليمي، ومبرزًا التزام بلاده باتفاق فصل القوات في الجولان.
فلسطين: خارطة طريق سياسية ودعوة لمؤتمر دولي
من جانبه، دعا الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى تبني خطة عربية شاملة لإنهاء الحرب في غزة، تشمل وقفاً دائماً لإطلاق النار، وتبادل الأسرى، وانسحاب الاحتلال الصهيوني الكامل من القطاع، وتمكين السلطة الفلسطينية من تولي مسؤولياتها هناك.
واقترح عباس عقد مؤتمر دولي في القاهرة لإعادة إعمار غزة، وبدء مسار سياسي جاد وفق “حل الدولتين”، مشيدًا بدور السعودية وقطر ومصر والأردن في دعم القضية الفلسطينية، ومعلناً عن مؤتمر دولي للسلام في نيويورك في يونيو المقبل برئاسة السعودية وفرنسا.
السيسي: لا سلام بدون دولة فلسطينية
وأكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن أي تطبيع عربي مع إسرائيل لن يحقق السلام دون قيام الدولة الفلسطينية، داعياً الولايات المتحدة، وتحديدًا الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، إلى الضغط من أجل وقف إطلاق النار والعودة لمسار تفاوضي جاد.
الأردن: دعم لسوريا وتحذير من الانفجار في القدس
أما رئيس الوزراء الأردني جعفر حسان، فقد أكد استمرار الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، مشيرًا إلى أن الاعتداءات الصهيونية والاستيطان تهدد استقرار المنطقة. كما أعرب عن أمله في رؤية سوريا مستقرة مزدهرة، مرحّبًا برفع العقوبات عنها.
لبنان: إصلاح وسيادة وإعادة النازحين
في موقف لبناني جديد، شدد رئيس الوزراء نواف سلام على أن الإصلاح الداخلي وحصر السلاح بيد الدولة يمثلان أولويات حكومته، داعيًا إلى تعاون سوري–لبناني لعودة النازحين السوريين. كما طالب الدول الشقيقة بتوفير مقومات الحياة الضرورية في الداخل السوري لتسهيل عودتهم الكريمة.
السودان: أولوية للتنمية والوثيقة الاقتصادية
وأكد عضو مجلس السيادة السوداني إبراهيم جابر التزام بلاده بمخرجات قمة بغداد، داعياً إلى دعم وثيقة التنمية التي طرحها السودان عبر تفعيل الاستثمار العربي في القطاع الزراعي، لتمكين السودان من إعادة إعمار ما دمرته الحرب.
الأمم المتحدة: لا تهجير قسري ولا بديل عن حل الدولتين
في كلمته أمام القمة، شدد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش على الحاجة الملحة إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة، وإطلاق سراح الرهائن دون شروط، معبرًا عن رفضه لأي محاولات للتهجير القسري للفلسطينيين، ومؤكدًا أن حل الدولتين هو الطريق الوحيد للسلام.
إسبانيا: غزة تنزف.. والاعتراف بالدولتين ضروري
قال رئيس وزراء إسبانيا بيدرو سانشيز الذي شارك في القمة كضيف شرف، إن الوضع الإنساني في غزة “كارثي ولا يمكن التغاضي عنه”، مطالبًا بإنهاء الحرب فورًا، ومشددًا على ضرورة الاعتراف المتبادل “بحل الدولتين” كحل شامل للنزاع.
العراق: احتضان للقمة ورسالة تضامن شامل
وأكد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في كلمته أن العراق انتهج سياسة خارجية قائمة على الشراكة والحوار والتقريب بين وجهات النظر، مضيفًا أن قمة بغداد تمثل “منصة عربية لتوحيد الصف، وتعضيد التضامن، وطرح القضايا بروح جماعية”.
وشدد رئيس الجمهورية العراقية في كلمته الافتتاحية على أن انعقاد القمة في بغداد يأتي في ظل “ظروف معقدة وتحديات خطيرة”، مشيدًا بصمود الشعب الفلسطيني، ومنددًا بـ”العدوان الصهيوني المستمر على غزة”.
خلفية: قمة استثنائية في توقيت استثنائي
تأتي قمة بغداد 2025 في لحظة سياسية وأمنية فارقة في المنطقة، حيث تتواصل الحرب الصهيونية على غزة للشهر السابع، وسط تصاعد أزمات إنسانية حادة، وعجز دولي عن فرض وقف شامل لإطلاق النار.
في الوقت ذاته، تسعى الدول العربية إلى إعادة سوريا إلى الحاضنة الإقليمية، وترتيب البيت العربي في مواجهة تحديات الأمن المشترك، والاقتصاد، والنزوح، والتدخلات الخارجية، بينما يتصدر الملف الفلسطيني جدول أعمال المرحلة المقبلة في ظل تحركات دولية لعقد مؤتمر سلام مرتقب في نيويورك. انتهى ع1